الفردوس يكتب : الصحراء ملف للفساد الجزائري

بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //
هل ما زال العالم في حاجة إلى دليل تلو دليل للتأكد من العقيدة العدوانية للنظام الجزائري ضد المغرب؟ فها هو دليل آخر على ما بلغته عقدة هذا النظام من تفاقم وتأزم بعد أن أصبح كالثور الهائج الذي ملأ اللون الأحمر للراية المغربية الخفاقة في الصحراء المغربية، عينيه وكاد يفقأهما.
لقد حاولنا مرارا تجاهل استفزاز هذا النظام الهائج، وتجنب الرد على تطاولاته وأباطيل إعلامه الموتور، لكن بات مفروضا علينا أمام تحريضه المتنامي ضد بلادنا، أن نقف لمحاولات تضليله الرأي العام الدولي بالمرصاد. فهذا النظام العدواني لا يطير إلى محفل دولي أو منتدى عالمي أو تجمع سياسي أو رياضي أو حتى ترفيهي، إلا وكانت وجهته تسميم أجواء هذه الملتقيات بإثارة ملف الصحراء والنزاع مع المغرب بشأنها بأبشع صور الاستفزاز والتضليل والتزييف والتطاول والخروج عن حدود اللباقة واللياقة بالتعري والاستعراء، وحتى ولو تعلق الأمر في هذه الملتقيات بمناقشة موضوع لا صلة له بالنزاعات الدولية الترابية، كأن يكون بعنوان ” البحث عن لقاح ضد فيروس كورونا “، فإن النظام الجزائري المهووس ببلادنا، لن يعدم سبيلا أو حجة لإسقاط طائرات كورونا في تيندوف، ومن ثمة لفت أنظار العالم إلى اللقاح الانفصالي، وإثارة زوابع فوق رمال الصحراء، وإطلاق فرقعات دولية تتساقط فوق طاولات لقاءات غير معنية بالهلاوس الجزائرية.
يمكننا أن نتفهم استمرار النخبة السياسية والعسكرية المتحكمة في دوليب النظام الجزائري، في الطواف بأطروحة ” العدو المغربي”، في سياستها الداخلية وفي كل استحقاقاتها الوطنية من انتخابات وانتفاضات وانقلابات وانفلاتات، لأن بقاءها رهين باستمرار التخويف بالفزاعة المغربية من جهة، واستدرار العواطف وابتزاز الدموع من أجل شعب صحراوي محتجز في مخيمات تيندوف، ومن ثمة تحقيق مزيد من الأرباح السياسية والاقتصادية الداخلية وعلى رأسها استعباد الشعب الجزائري وترهيبه واستنزاف ثرواته في حروب استثمارية لأفراد معدودين من الجنرالات والحيتان الكبيرة التي تسبح في الفساد وتتنفس فيه. وحيث إن ورقة الصحراء المغربية ودعم العصابة الانفصالية من أكبر ملفات هذا الفساد الداخلي الجزائري، فإنه يعود للشعب الجزائري وحده الحق في المحاسبة على هذا الفساد حينما تدق ساعتها، وحينها ستنكشف أرقام فواتير البترول والغاز وكل ثروات الشعب الجزائري التي صبت في رمال الصحراء وأهدرت دون نتيجة، إن لم نقل بنتيجة سلبية خطيرة كانت سببا في إهدار فرص التنمية في الجزائر وفي المنطقة المغاربية برمتها.
من المشاهد الحديثة لمساعي النظام الجزائري إلى التغطية عن فساده وارتباكه في تدبير مرحلة انهيار أسعار البترول، وتفشي وباء كورونا، وبداية المساءلة الشعبية عن ثروات الجزائر فيم أنفقت، وعن محاكمة المفسدين من رموز النظام وزبانيته، ما أثاره رئيس هذا النظام، في الاجتماع الافتراضي لمجموعة الاتصال لحركة دول عدم الانحياز، أول أمس الإثنين، من فضول القول الانفصالي في اجتماع خصص للاتصال بشأن النظر في سبل الحد من تفشي فيروس كورونا، حيث أقحم قميص الصحراء المغربية و”الاحتلال المغربي” مرة أخرى في موضوع أبعد ما يكون عن هذا اللقاء، وعن مبادئ وأهداف حركة دول عدم الانحياز، بل وعن التعهد والالتزام الدوليين بجعل البت في ملف النزاع حول الصحراء من الاختصاصات الحصرية للمنتظم الأممي، وهو الملف الذي تصر الجزائر وباستماتة على التنقل به بين كل المنتظمات الدولية والقارية غير المختصة، أو غير المفوضة للنظر فيه من مثل الاتحاد الافريقي، والجامعة العربية، ومجموعة دول عدم الانحياز وغيرها…
إنا نعلم مسبقا بحكم هذا الجوار السيء أن إقحام رئيس النظام الجزائري للمرة الألف لبلادنا في طاولة التداول العالمي حول قضايا تهم المصالح المشتركة بين مكونات المجموعات الدولية، وحول تدبير أزمة صحية وبائية دولية، بما طالب به في كلمته من وقف فوري للأعمال العدائية في الصحراء، ودعوته مجلس الأمن لتدارس النزاع، هو موجه للاستهلاك الداخلي من جهة، ولإثارة موجات السخط المغربي الذي يستثمر فيه الرئيس الجزائري منذ حملاته الانتخابية التي كان المغرب برنامجها ومشجبها الذي علق عليه كل سيئات نظام بلاده ومفاسده.
وإذا كانت السياسة الداخلية الجزائرية لا تهمنا في شيء ولا دخل لنا فيها، فإن مواصلة نظام هذا البلد الشقيق والجار استعراءه علينا في المحافل الدولية، وفي مناسبات تجتمع فيها كل قيم الصدق مع النفس ومع الغير، وكل عناصر السكينة والوقار والاعتبار، بدءا من الانشغال بالوضعية الوبائية لجائحة كورونا، وتصفيد الشياطين في هذا الشهر الفضيل، وسياق الاتصال الافتراضي التفاعلي، خصوصا والأمر يتعلق بتدخل جزائري دائم في قضية وحدتنا الترابية، فإن السكوت عن هذه الرعونة وعن هذا التحريض والمهاجمة السافرة لا يزيد النظام الجزائري إلا غطرسة وتجبرا في المنطقة المغاربية حيث طوى هذا النظام، بتصرفاته الحقيرة، كل أمل في وحدتها ووحدة شعوبها التي كافحت في الماضي كل أشكال تقسيمها وتجزيء ترابها الوطني.
ولما كان لا مطمع لبلادنا ولشعبنا في حسن جوار هذا النظام العدواني، خصوصا مع توالي اكتشافاته أن الورقة الصحراوية المغربية، ما تزال ورقة رابحة ومربحة داخليا وخارجيا، وحتى في عز الأزمات الدولية الكبرى والجائحات التي تصرف همم أنظمة العالم وقادته إلى إطفاء بؤر التوتر، للانشغال ببؤر تفشي الوباء والكوارث، فإنه صار من أوجب الواجبات الوطنية، التصدي لهذا النظام العدواني في كل المحافل الإقليمية والقارية والدولية وفضحه في كل المناسبات، بعد تعبيراته الواضحة عن ما يكنه من عداء صريح ومفضوح لبلادنا، وبعد إعلاناته المتواصلة والمتزايدة من يوم لآخر عن مساعيه لتكريس التباعد بين شعبين شقيقين، وإدامة النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، ومنع المحتجزين في مخيمات الذل والعار من التعبير عن إرادتهم ومصيرهم، والقمع الدموي الدائم لانتفاضاتهم. وليس التصدي لهذا النظام العدواني موجها ضد دولة وشعب، بل دفاعا عن شرعية وعدالة قضية وحدتنا الترابية، وجذعا لأنوف طال حشرها في القضية فاستطالت.