الفردوس يكتب : مطلب ” الحكومة التقنوقراطية “.. قفزة في الهواء

الفردوس يكتب : مطلب ” الحكومة التقنوقراطية “.. قفزة في الهواء

بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //

انطلقت منذ أيام في عدد من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعية والمواقع الإلكترونية، حملة ممنهجة ومتصاعدة لمناقشة “مطلب تشكيل حكومة تقنوقراطية” بحجة الفشل الحكومي في إدارة الأزمة الصحية التي تضرب البلاد وسائر دول العالم، جراء تفشي وباء “كورونا”، وظهور اختلالات في التنسيق والأداء، وبحجج أخرى تبالغ في رسم ملامح كارثية عن الأوضاع الصحية والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، وتهول من تداعياتها على مستقبل المشاريع التنموية وعلى سائر القطاعات الإنتاجية، الأمر الذي يبرر الدفع إلى طرح مطلب الحكومة التقنوقراطية في عرف من أطلقه، لجس النبض أولا، ولتشكيل قاعدة واسعة داعمة لهذا الطرح.

والحال أن هذا الدفع القسري بمطلب “الحكومة التقنوقراطية” إلى الواجهة، ومنذ أزيد من أسبوع على تداوله، لم يلق أي تجاوب شعبي معتبر، ولا أي مساندة سياسية سواء من الأغلبية الحكومية أو من المعارضة أو من سائر الهيئات والمنظمات المدنية، التي تنكب على تجنيد قواعدها ومبادراتها لدعم المجهودات القائمة في الحد من تفشي الوباء والتخفيف من تداعياته، والتي تعلن جميعها تضامنها للخروج الآمن من هذه الأزمة، هذا فضلا عن انعدام أي أساس موضوعي وواقعي لمناقشة الطرح والاستعداد للنظر فيه واستحسانه.

فمهما اختلفنا أو اتفقنا مع الحكومة الحالية في أدائها السياسي، ومهما اعترى تدبيرها للأزمة الطارئة من تعثرات، فإن ما عبرت عنه في هذه الظرفية الصعبة من انخراط موفق في مواجهة الوباء ومعالجة تداعياته، وما تفاعلت به من مبادرات تتجاوب مع التعليمات والتوجيهات الملكية السامية، وما اعتمدته من آليات للتشاور مع كل القوى الحية بالبلاد لتنسيق الجهود، وإشراك كل الهيئات والقطاعات في اقتراح ووضع الاستراتيجيات والمخططات لتدبير جماعي لمرحلة الوباء ومرحلة ما بعده، ينم كله عن صلاحية الخيار الديموقراطي الذي على أساسه تشكلت أغلبيتها، وأنه لا زال قادرا على مواصلة تحقيق الاستقرار للمؤسسات وضمان السير بالبلاد إلى بر الأمان، إلى غاية استنفاد ولايتها ورصيدها، الذي سيعود الحكم عليهما إلى صناديق الاقتراع، غير ذلك من محاولات التشويش والتأثير على المسلسل الديمقراطي بوقفه، أو بطرح أجندات خارجه من مثل الدعوة إلى حكومة تقنوقراطية، لن يدفع الوضع السياسي بالبلاد إلا إلى الانتكاسة، خصوصا في فترة تتطلب منا مزيدا من التعبئة والتضامن والثقة والحكمة والعمل، والأمل في الآن نفسه، واستثمار المكتسبات في مزيد بناء وتنمية وتطوير وتحديث.

إن التشاؤم والتهويلات والتخويفات لا تدعو إليها ضرورة، ولا يمكننا أن نفهمها في هذا الوقت بالذات إلا على أنها محاولة مشوبة بشبهات وتربصات، ووراءها نوايا غير واضحة وغير معلنة تتسرع وتتعجل تحقيق أغراض لا تمت بأي صلة إلى تداعيات الوضعية الوبائية المتحكم فيها والمدبرة بقدر كبير من الجاهزية والحافزية على الاستمرار في ترسيخ القيم الديمقراطية والتضامنية والتآزرية وقيم المواطنة الصادقة.

لدينا، كما لدى الجميع، ملاحظات على تدبير الحكومة للشأن العام، وعلى استراتيجيات نهوضها بأسئلة المجتمع، وطريقة تواصلها وتنسيقها لأعمالها، لكن ذلك كله لا يمنع من التشبث المبدئي بالخيار الديمقراطي الذي أفرزها، وبمناقشة سياساتها العمومية ورؤاها الاستراتيجية وممارساتها ضمن حدود هذا الخيار، وفي إطار مؤسساتي كفيل بتصريف الفعل الديموقراطي تصريفا ناجعا وقادرا على التأثير الإيجابي في القرارات والسياسات، وعلى جلب مصلحة راجحة، أو الاستجابة لانتظارات معلقة.

وعلى الجهة المتحمسة لموضوع “الحكومة التقنوقراطية”، أن تبحث عن موضوع آخر مقنع في طرحه وقوته الاقتراحية، ومن داخل المسار الديمقراطي الوطني، تسهم به فعلا في تدبير مرحلة ما بعد الوباء، بما يدعم المكتسبات المحققة ويكرس الثقة في المؤسسات، التي ارتفع منسوبها لدى جماهير المواطنين، في هذه الظرفية الحرجة.

خلاصة القول أن اقتراح مطلب “حكومة تقنوقراطية” هو قفزة في الهواء، يجسد في الحقيقة انحباس الابداع والابتكار في الفكر السياسي الديمقراطي الذي يستعجله ويطرحه بدون مسوغات قوية ولا دواع واضحة، ولا إنصات حقيقي لما يعتمل في قلب المجتمع المغربي من تحولات ومطالب وانتظارات، كما يجسد ضعفا شديدا في تحليل الأزمة، وبيان مواطن الاختلال في المنظومة السياسية والتركيبة الحكومية القائمة، والتقدم بإجابات مناسبة للمرحلة ولرهاناتها وتحدياتها، التي ليس من بينها قطعا الرهان على التراجع عن المسلسل الديمقراطي وعن مقتضياته الدستورية وعن ما أفرزه من كفاءات ومن مشاريع وتوجهات قادرة على المنافسة لتحقيق التنمية المستديمة. فالمطلب المناسب لوضعنا السياسي المغربي هو استدامة الخيار الديمقراطي الوطني، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

اترك تعليقاً

Share via