د.الحسن عبيابة: نحو تعديلات لمدونة الأسرة وفق نموذج لمجتمع متماسك

يعتبر بلاغ الديون الملكي ، الذي وجه فيه أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله رسالة سامية إلى السيد رئيس الحكومة، تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة ، تفعيلا لبنود الدستور في كل مايتعق بإمارة المؤمنين، والقضايا المرتبطة بها ، وتفعيلا للقرار السامي الذي أعلن عنه جلالته في خطاب العرش لسنة 2022 .
وتجسيدا كذلك للعناية الكريمة التي ما فتئ يوليها ، للنهوض بقضايا المرأة والأسرة بشكل عام ، كما جاء في مضمون بلاغ الديون الملكي ، وقد كانت الرسالة الملكية الموجهة للسيد رئيس الحكومة واضحة ومحددة لكل مكونات المجتمع المغربي التي يمكنها المساهمة في تقديم الإقتراحات المرتبطة بالتعديلات حول مدونة الأسرة .
وهذه المكونات هي ((وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، والمجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ووزارة التضامن والإدماج الإجتماعي والأسرة ، مع الانفتاح على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين ))، وهذا فيه إحترام للمؤسسات الدستورية والقانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
في إطار إحترام دولة المؤسسات .ويمكن تقسيم العمل على صياغة الإقتراحات وفق مراحل :
المرحلة الأولى :
تبدأ من فتح ورشة إصلاح مدونة الأسرة التي تستقبل الإقتراحات بعد تكليف مجموعة من المؤسسات الرسمية الحكومية والعمومية لدراسة جميع الإقتراحات سواء الإقتراحات التي تقدمها هذه المؤسسات نفسها ذات الصلة بالموضوع ، أو المقترحات التي ستأتي بها هيئات المجتمع المدني والباحثين والمتخصصين الذين سيستعان بهم في هذا المجال ..
المرحلة الثانية :
تتجلى في دراسة هذه الإقتراحات على ثلاث مستويات أساسية حسب المواضيع الخاصة بكل فئة. اقترحات تتعلق بحماية (الأطفال) وضمان حقوقهم .
اقتراحات تتعلق بالنهوض (بالمرأة) داخل الأسرة واخل المجتمع. اقتراحات تتعلق بحقوق وواجبات (الأزواج) من كلا الطرفين داخل الأسرة وفي المجتمع مع ضمان الحقوق للجميع ..
المرحلة الثالثة :
تتجلى في تصنيف أنواع التعديلات المقترحة حسب المرجعيات كمايلي :
. المرجعية الدينية ، فمثلا بعض التعديلات قابلة للإجتهاد بحكم الضرر المادي والمعنوي الذي يلحق بالأسرة من خلال التجربة السابقة ، مثل نظام الولاية يمكن النظر فيه فقهيا ، ولأنه اجتهاد فقهي واجتماعي ، منع تزويج القاصرات لمحاربة الهشاشة الاجتماعية ، وهناك مواضيع يجب الإجتهاد فيها إقتصاديا وإجتماعيا لمواكبة التطورات الاقتصادية والاجتماعية ، لأن الهدف من تعديل بعض بنود المدونة هو حل المشكلات المطروحة وليس الإستمرار فيها ، وهناك مواضيع أخرى مطروحة يمكن الإجتهاد فيها لصالح المجتمع حسب المرجعيات المذكورة .
الزوج على توفير الحد الأدنى لمتطلبات الأسرة ، وخصوصا مع وجود أطفال ، الأمر الثاني يتعلق حول ممتلكات الزوج أو الزوجة ، وهذا فيه عدة اقتراحات وحلول ، بناء على اتفاق الزوجين قبل الزواج
المرجعية الاجتماعية ، وهي أن بعض الأعراف الاجتماعية تعيق تطبيق القانون ، وتتشبت بها الأسر رغم سلبيتها ، مثل تزويج الفتيات بدون وجود حد أدنى لتوفير أسرة آمنة ، لأن تأخير الزواج يعتبر مشكل إجتماعي ، مما يخلق أسر هشة لايمكن تطبيق عليها أي قانون نظرا لهشاشتها الإجتماعية ، وكل هذه المواضيع مطروحة بشكل ملح وقوي .
الإقتصادي والاجتماعي يعتبر تشريعا معيبا ، قد يصبح تطبيقه في حد ذاته خرقا لحقوق الأسرة ، فالرواتب مثلا في المغرب معظمها بنسبة 60%, لاتسمح بتطبيق العديد من بنود مدونة الأسرة ، فمثلا لايتعدى عدد موظفي الدولة مليون شخص ، منهم فقط 40%, يمكن اعتبارهم من الطبقة المتوسطة حسب الرواتب الشهرية .
كما أن القطاع الخاص المنظم لايتعدى 3,5 مليون شخص ، ومنهم كذلك حوالي نصف مليون فقط يمكن اعتبارهم من الطبقة المتوسطة ، والباقي لايعلم دخلهم ولا وضعهم الإجتماعي ، لكن نسبة كبيرة من هولاء من الطبقات الفقيرة والهشة ، ولذلك فإن العديد من الأزواج يؤدون واجب النفقة بعد الطلاق في السجون لعدم توفرهم على الموارد المالية الكافية لأداء المستحقات المحكوم عليهم بها .
ولذلك فالأمر لايتعلق بالتشريع لطرفين متنافسين في الحصول على حقوق أكثر ، وإنما إيجاد بدائل وحلول أخرى مادية أحيانًا من طرف بعض المؤسسات في بعض الحالات عند عجز الأباء ماديا ، والمغرب والحمد لله يتوفر على خبراء في القانون وعلماء في الشريعة الاسلامية ، ومتخصصون في جميع المجالات .
وأتمنى أن يضاف إلى اللجنة الفرعية التقنية خبراء في الإقتصاد الأسري ، وخبراء في علم الإجتماع ، وهؤلاء قادرون على تقديم اقتراحات جيدة ومناسبة ، وفيها إضافة وحلول للأسرة المغربية .
كما أن المغرب قدم صورة للتضامن والتلاحم في محطات كثيرة ، ومطلوب منه حاليا تقديم نموذج لمدونة متميزة عربيا ودوليا ، والإبتعاد عن المزايدات السياسية ، والإجتهادات خارج المؤسسات المعتمدة ، وعدم الإهتمام بالإشاعات التي تسيء لمروجيها قبل أن تسيء للمجتمع ، لأن الأمر يتعلق بطرح نقاش جاد ومسؤول لإيجاد صيغ قانونية غير تقليدية فيها قيمة مضافة لنموذج جديد للأسرة تماشيا مع النموذج التنموي الجديد الذي أختاره المغرب في أفق 2035.
د.الحسن عبيابة: وزير سابق ، وأستاذ التعليم العالي